10 سبتمبر 2012

تخلف+ ديمقراطية=دكتاتورية | كريم محسن الخياط






عندما تكون البنية الاجتماعية غير جاهزة ثقافيا واجتماعيا وحضاريا لتقبل فكرة ما؛ ستكون تلك الفكرة عاجزة عن أداء وظيفتها التي كانت من أجلها، فحقيقة الديمقراطية هي: ليست حكم الأغلبية، وإنما هي: حكم الأغلبية الواعية. وحكم الأغلبية الواعية لا يأتي فجأة بل يجب أن تسبقه مراحل متدرجة يُبنى خلالها المجتمع على جميع الأصعدة بدرجة تؤهله لممارسة الديمقراطية، وبما أن من حكموا المجتمع العربي لم يؤمنوا بالتحول الديمقراطي، فقد مارسوا كل أنواع التجهيل على شعوبهم فغيبوا القوانين وأبدلوها بالعشيرة والمسجد، وكلنا يعرف ما لمضيف العشيرة من غلبة تفوق القانون وما لكثير من المساجد من دور في نشر ثقافة التجهيل عبر مكبرات الصوت التي تعد وسيلة الإعلام الوحيدة في كثير من المدن الصغيرة التي تمثل أغلبية الشعب. من هذا نجد الناخب لا يعرف شيئا عمن ينتخبه سوى ما تقوله العشيرة والمسجد، وما الأحزاب الكثيرة التي يعج بها العراق والوطن العربي إلا شكل خارجي يتعكزون عليه، فلو أحصينا كل أفراد الأحزاب  لوجدناهم لا يمثلون 1% من الناخبين. وتجربة الانتخابات المصرية تؤيد ذلك، فالمتابع للأصوات التي حصل عليها الرئيس مرسي في جولة الإعادة، تدل بشكل واضح أنها جاءت من المدن المتخلفة حضاريا والقرى والأرياف، وهذا يتضح من خلال الجداول التي عرضتها قنوات فضائية تتسم بالمهنية، حيث أوضحت تلك الجداول بان النسبة الأكبر التي جعلت مرسي يتفوق على أحمد شفيق كانت من المدن البعيدة عن الحضارة.
وينتج مما تقدم أن الحكم في البلدان المتخلفة سواءً كان دكتاتوريا أم ديمقراطيا أم عوان ما بين ذلك، ما هو إلا سيطرة البداوة على الحضارة، وهذا الأمر واضح من خلال جميع التجارب التي يمر بها الوطن العربي والبلدان المتخلفة، لذلك وقع الإسلاميون في مأزقهم، فعندما درسوا الفكر الديمقراطي المحرم عندهم وجدوه يخدمهم لأنهم يعرفون مدى جهل شعوبهم، لذلك قبلوه كمرحلة تمكنهم من ممارسة التجهيل أكثر فأكثر حتى يصلوا إلى مبتغاهم، وهو: صناعة دكتاتورية بزي ديمقراطي يمكّنهم من الهيمنة على العالم وتخريبه مرة أخرى. فالحضارات الكبيرة لا تدمرها غير الشعوب الهمجية، وتجارب العالم تثبت ذلك، فعندما ابتعد العرب عن التعصب الديني كوّنوا حضارة دمرها المغول، فوقع العرب بما كانوا قد قاموا به سابقا. ولست هنا بصدد النيل من الفكر الإسلامي أو غيره، فلكلٍ حقٌ في اختيار معتقده، وكلٌ يعمل على شاكته. ولكني أريد الحث على عبادة الله بوعي لا بجهالة، وهذا الطرح لا يروق لمن يريدون عكس ذلك، لأنهم لم ولن يتمكنوا من الفوز بأي انتخابات إذا كان الشعب واعيا، وهذا ينطبق على كل الذين يدعون بأنهم قادة دينيين سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين.
فما الحل؟ هل نرفض الديمقراطية بكل ما فيها أم نقبلها بكل ما فيها؟ فمن باب التفاؤل أقول: علينا أن نقبلها وأن نقاوم الجهل والتجهيل وهذا الدور الخطير لا تقوم به السلطة الحاكمة سواء كانت ديمقراطية أم غير ديمقراطية؛ لأننا عرفنا دورها التخريبي والتجهيلي، بل يقوم به الإعلامي المثقف الحقيقي، والمثقف الحقيقي، والأديب الحقيقي، ومنظمات المجتمع المدني التي يتوجب عليها أن تسعى بجد إلى توعية الشعوب بحقوقها وتخليصها من الواقع المفروض عليهم اجتماعيا وعقائديا، ولا تأتي ثمار هذا العمل على المدى القريب، بل يحتاج لعشرات السنين، فالمشاريع الإستراتيجية تحتاج إلى وقت وصبر وشعور بالمسؤولية ومؤسسات مدنية مدعومة من قبل من يهمه الأمر فعلاً، لذلك يتوجب علينا أن لا نيأس ولا نسخر من بعض الندوات البائسة التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية لرداءة الطرح، ولشعور القائم على الندوة والذي يحضرها بلا جدوى النشاط المجتمعي غير الحكومي، فكثير منا يعرف أن أغلب المنظمات غير الحكومية في العراق هي: منظمات رؤساء فقط، فلا دخل للهيئة الإدارية ولا دخل للهيئة العامة بعمل أغلب المنظمات، بل هناك  مجموعة من الرؤساء يلتقون بعضهم ليتدارسوا كيفية توفير الجزء الأكبر من المبالغ التي تدفعها الجهات المانحة لتلك النشاطات. ولا حديث لهم سوى ذلك، مثلهم مثل الأدباء الذين يدعَون إلى المهرجانات الكبيرة حيث يتحدثون كن كل الأشياء إلا الأدب. ولأن منظماتنا: منظمات رؤساء؛ فقد عمد الرؤساء إلى تشكيل شبكات: كل شبكة تتألف من عدة منظمات لتكون الهيئة الإدارية للشبكة مجموعة من الرؤساء، فيعمل على أنه عضو هيئة إدارية في الشبكة، ويلقب برئيس منظمة، علما أن تلك الشبكات تدّعي أن هيأتها العامة تضم كل الهيئات العامة لمنظماتها، وكما ذكرنا بان تلك الهيئات العامة هي عبارة عن أسماء فقط يدفعون مبلغا من المال سنويا ثمنا لباج يتشدقون به في الوقت المناسب. وليس غريبا أن تكون الجهات المانحة مطلعة على كل ما يجري، فحينما تحدثت مع أحد منسقي الشرق الأوسط عن هذا الموضوع أجابني بكل صراحة بأنه يعلم ذلك، كما أخبرني بأن أغلب المنظمات في العراق وهمية، وأن المنظمات غير الوهمية ليس فيها إلا الرئيس وربما نائبه. وعدم الغرابة هذا يكمن في أن طموح الجهات المانحة هو أن يعمل في كل منظمة ثلاثة ناشطين حقيقيين على مدى السنوات الخمس القادمة. وقال بأنه يعرف أن أغلب المال الممنوح لتلك المنظمات يذهب بالاتجاه غير الصحيح، فقد كان طموحه أن تُصرف 5% من المنحة في الاتجاه الصحيح. وبهذه النسبة الضئيلة تسعى الجهات المانحة إلى وضع لبنه في بناء مجتمع يتجه إلى الوعي تدريجيا.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق