كريم محسن الخياط
يبتدئ الشاعر حامد الراوي نصه بتحديد طبوغرافيا حديثة للمكان بيد انه ما يزال متمسكا بماضيه من خلال إبقائه على طريقة الشعر القديم في التركيز على رسم صورة المكان وتخليه عن الزمن .
(أقبعُ ما بين سماء وسماء...ْ
أضع القلب َ شمال الماءْ...
والخمرَ يمين الروحْ)
أضع القلب َ شمال الماءْ...
والخمرَ يمين الروحْ)
ومما يدلل على هذا الانحياز للماضي هو هبوطه إلى الحلم بدلا من التسلق أو التحليق إلى أحلامه , مما يدل على يأسه من محاولات الارتقاء، ورؤية المستقبل بين ثنايا الماضي البعيد أو ربما الماضي القريب أي ماضي الشاعر نفسه حيث يمكن لنا أن نعد السمائين هما سماء الشاعر وسماء مجتمعه .
(ولكي لا أبعدَ عن هذا الحشد ,
أشد ُّ الى حجر عنقي
أهبط ُ عبر وَتين الوقت ,
أشد ُّ الى حجر عنقي
أهبط ُ عبر وَتين الوقت ,
على حُلمٍ مسفوح)
وحين يصحو من حلمه يجده لا يختلف عن الواقع فالصورة باقية كما هي , فأما انه ما يزال يحلم أو انه لم يكن في حلم أصلا ً، أو انه يتمثل عنوان النص ويجلس على مائدة الجنون , فما زال الخمر يمين الروح :
(أصحو الآن إذن
الخمر يميني
وشمالي ريح عارية إلا من غصن التذكارِ ِ
وحولي عشاق كثر وبكاء)
الخمر يميني
وشمالي ريح عارية إلا من غصن التذكارِ ِ
وحولي عشاق كثر وبكاء)
عاد الشاعر هنا ليوضح ــ على طريقة الرواية ــ معنى الحشد في قوله :
(ولكي لا أبعدَ عن هذا الحشد)
انه عشاق كثر وبكاء .
وإذا صحت قراءتي للنص فهذه بادرة جديدة في شعر حامد الراوي , حيث يـُرجئ بعض المعاني إلى أماكن أخرى عن طرق تفكيك النص أو تفكيك جزء من النص .
ثم يلتفت الشاعر إلى عاشق غائب عن هذا الحشد الباكي من العشاق الكـُثر رغم انه يملأ قلبه , الا ان ّ بكاء المحتشدين أبعده عن المشهد مما يؤكد أن السمائين هما سماء الفرد وسماء المجتمع :
(أدعو باسمكَ أول صوت يصفعني)
يحاول أن يلتفت إلى نفسه قليلا ويدير رؤياه عن معاناة الحشد الباكي من خلال غمز خاصرة الروح التي تكررت في نصوص الراوي ومن خلال نكزه لحجر القلب الفارغ إلا من حبيبه :
(اغمز خاصرة الروح
و أنكز حجر القلب الفارغ إلا من عينيكَ)
و أنكز حجر القلب الفارغ إلا من عينيكَ)
بعد هذه الصحوة يتحقق أول حلم أو ربما أبسط حلم من خلال فض أغشية الذاكرة التي تراكم عليها صدأ معاناة الحاضر الباكي لينزلق على أفقها شبح لم يتمكن الشاعر من تحديد هويته برسم جزء من ملامحه . فالشاعر هنا لا يستطيع التركيز على صورة الشبح أما لانشغاله بحاضره أو بسبب عدم وجود صورة لماهية ذلك المنزلق على أفق الذاكرة :
(ترى من ينزلق الآن على أفقي)
لا بد أن أقر هنا بوجود ثغرة في مكان ما , اما في الحلم أو في ذات المتعلق على أفق الذاكرة أو في النص ؟!:
(ترى من ينزلق الآن على أفقي
ورويدا تنخرق الذكرى
بين الصوت وعينيكَ)
ورويدا تنخرق الذكرى
بين الصوت وعينيكَ)
بعد هذا التشويش الذي تعرض له من خلال الحاضر وتأثيراته على مجرى الحلم , الحاضر الذي يثير سؤالا آخر متعلقا بسؤال الحلم :
(فمن يقسم أني ما زلت اشدُّ ــ على روح واحدة ــ أجزائي ؟)
هذا السؤال يوحي ببوادر صحوة ثانية تدل علي غيبوبة ثانية , صحوة لا تغير شيئا ً من حاضره الجديد الذي يذبحه (مع تحفظي على قساوة المفردة) بين سمائين أيضا
( الزرقة والرمل ) تلك الصحوة التي سلخت ظله وغيبته تماما ً عن الحاضر والحلم :
(الخمر يمين الروحِ ِ
وصلاة الماء أقيمت فوق عراءٍ ملتصقٍ بسمائي
اذبح بين الزرقة والرمل ِ
ويسلخ ظلي
ويغادرني كلي) .
وصلاة الماء أقيمت فوق عراءٍ ملتصقٍ بسمائي
اذبح بين الزرقة والرمل ِ
ويسلخ ظلي
ويغادرني كلي) .
هاتان الصحوتان دفعتا الحالم أن يتجه إلى غير الحلم ويبتعد عن الواقع مدعيا أنه كان في مدخل صدق ويريد العودة إليه :
(فأتمتمُ :
يا هذا الملكوتَ الكاملَ
أدخلني ثانية مُدخلَ صدق)
يا هذا الملكوتَ الكاملَ
أدخلني ثانية مُدخلَ صدق)
هنا تمكن الحالم من ردم الثغرة بعد اتضاح صورة الشبح كملكوت كامل بطريقة روائية أيضا من خلال إرجاء بعض المعاني إلى مكان ليس بالقريب كفخاخ تصيب المتلقي بالدهشة فيصفق أول ما يصفق لنفسه ومن ثم للشاعر الذي منحه هذه الإكتشافات , حيث يمارس الشاعر التفكيك ببراعة.
ليست لحظات ضعف تلك التي انتابت القصيدة حين توسل الشاعر بذلك الملكوت ليقتنص له لحظة بين غيابه وشهوده رغم علمه أن رأسه سوف يتدحرج على شهقة آخر جرح :
(ما بين غيابي وشهودي
تنفتح الأضلاع على هيكلها
ينشطر السور
يتكور وجه الصوت الغائب بينهما
يعلن عن ضوء مكسور
وهناك إذا افترقت عيناك ِ
على شهقة آخر جرح
يتدحرج راسي
من أقصى ثقب في واجهة اللوح
ويسقط فوقي) .
تنفتح الأضلاع على هيكلها
ينشطر السور
يتكور وجه الصوت الغائب بينهما
يعلن عن ضوء مكسور
وهناك إذا افترقت عيناك ِ
على شهقة آخر جرح
يتدحرج راسي
من أقصى ثقب في واجهة اللوح
ويسقط فوقي) .
يختم الشاعر نصه بالعودة إلى البدء حيث لا جدوى من الأحلام مسترسلا ً بتوسلاته لانطلاق قبس ضوء قد يضيء سماءه الغائبة عارفا ً بما سيؤول اليه مآل اللامنتمين .
(الروح شمال الخمر
وحولي عشاق ...... وبكاء
وسمائي غائبة عني
و أقول أعنّي
يا قدح الملكوت الكامل ِ
كي اخرج كفاً بيضاء
من جيب اسود
وأحزَّ على حجر عنقي)
وحولي عشاق ...... وبكاء
وسمائي غائبة عني
و أقول أعنّي
يا قدح الملكوت الكامل ِ
كي اخرج كفاً بيضاء
من جيب اسود
وأحزَّ على حجر عنقي)
أخيرا ً لابد وأن أقول إنني حاولت جاهدا ً ألا أفض الشراكة بين النص والموضوع متمسكا ً بقدسية النص وتبعية الموضوع .
القصيدة :
مائدة الجنون ـــ د. حامد الروي
أقبعُ ما بين سماء وسماء...ْ
أضع القلب َ شمال الماءْ...
والخمرَ يمين الروحْ,
ولكي لا أبعدَ عن هذا الحشد,
أشد ُّ الى حجر عنقي
أهبط ُ عبر وَتين الوقت,
على حُلمٍ مسفوح
حتى ارتطم براسي
أصحو الآن إذن
الخمر يميني
وشمالي ريح عارية إلا من غصن التذكارِ ِ
وحولي عشاق كثر وبكاء
أدعو باسمكَ أول صوت يصفعني
اغمز خاصرة الروح
و أنكز حجر القلب الفارغ إلا من عينيكَ
ترى من ينزلق الآن على أفقي
ورويدا تنخرق الذكرى
بين الصوت وعينيكَ,
فمن يقسم أني
ما زلت اشدُّ على روح واحدة أجزائي
الخمر يمين الروحِ ِ
وصلاة الماء أقيمت فوق عراءٍ ملتصقٍ بسمائي
اذبح بين الزرقة والرمل ِ
ويسلخ ظلي
ويغادرني كلي
فأتمتمُ :
يا هذا الملكوتَ الكاملَ
أدخلني ثانية مُدخلَ صدق
ما بين غيابي وشهودي
تنفتح الأضلاع على هيكلها
ينشطر السور
يتكور وجه الصوت الغائب بينهما
يعلن عن ضوء مكسور
وهناك إذا افترقت عيناك ِ
على شهقة آخر جرح
يتدحرج راسي
من أقصى ثقب في واجهة اللوح
ويسقط فوقي
الروح شمال الخمر
وحولي عشاق ...... وبكاء
وسمائي غائبة عني
و أقول أعنّي
يا قدح الملكوت الكامل ِ
كي اخرج كفاً بيضاء
من جيب اسود
وأحزَّ على حجر عنقي ....
أضع القلب َ شمال الماءْ...
والخمرَ يمين الروحْ,
ولكي لا أبعدَ عن هذا الحشد,
أشد ُّ الى حجر عنقي
أهبط ُ عبر وَتين الوقت,
على حُلمٍ مسفوح
حتى ارتطم براسي
أصحو الآن إذن
الخمر يميني
وشمالي ريح عارية إلا من غصن التذكارِ ِ
وحولي عشاق كثر وبكاء
أدعو باسمكَ أول صوت يصفعني
اغمز خاصرة الروح
و أنكز حجر القلب الفارغ إلا من عينيكَ
ترى من ينزلق الآن على أفقي
ورويدا تنخرق الذكرى
بين الصوت وعينيكَ,
فمن يقسم أني
ما زلت اشدُّ على روح واحدة أجزائي
الخمر يمين الروحِ ِ
وصلاة الماء أقيمت فوق عراءٍ ملتصقٍ بسمائي
اذبح بين الزرقة والرمل ِ
ويسلخ ظلي
ويغادرني كلي
فأتمتمُ :
يا هذا الملكوتَ الكاملَ
أدخلني ثانية مُدخلَ صدق
ما بين غيابي وشهودي
تنفتح الأضلاع على هيكلها
ينشطر السور
يتكور وجه الصوت الغائب بينهما
يعلن عن ضوء مكسور
وهناك إذا افترقت عيناك ِ
على شهقة آخر جرح
يتدحرج راسي
من أقصى ثقب في واجهة اللوح
ويسقط فوقي
الروح شمال الخمر
وحولي عشاق ...... وبكاء
وسمائي غائبة عني
و أقول أعنّي
يا قدح الملكوت الكامل ِ
كي اخرج كفاً بيضاء
من جيب اسود
وأحزَّ على حجر عنقي ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق