10 سبتمبر 2012

صاحبي الذي لا يمل | كريم محسن الخياط


بين يوم وآخر يوقظني صاحبي من نومي المستمر الذي أتوكأ عليه لأتخلص من همي المستمر الذي يجعلني ألعب الداما بحبوب الضغط والسكري، يوقظني صاحبي حاملا موبايلاً عاطلاً في كل مرة. وبدون مقدمات يبدأ بسرد سبب عطل موبايله مدعاياً أنه سقط منه في الحمام عندما حاول أن يجد قليلا من الماء ليغتسل، ويدعي دائما بأن الماء لا يزورهم سوى ساعتين في اليوم، وأنه يشفط الماء من الحنفية بفمه لكي يساعد الماطور الحرامي على سحب ما تبقى في أنبوب الماء الرئيس القادم من دجلة والفرات. (والمشكلة هي أن بيتنا بجانب النهر، (يعني إذا اشيل مدير المي واشمره برهاوة ايدي يوكَع بالشط) قال صاحبي هذه العبارة التي مهدت له أن يعزف السيمفونية العراقية السرمدية التي يبدأها صاحبي عادة بلعن المسؤولين عن الماء والكهرباء والبلدية ودائرة التقاعد العامة ومؤسسة الشهداء والبرلمانيين والحكومة وأبو الغاز وأبو المولد وأبو النفط وابو الأنترنيت والسوّاق وسيارة الزبالة وقناة الجزيرة والشرقية والعراقية والرافدين ووو.ويستمر باللعن بلذة تفوق أية لذة، ثم يزداد انفعاله وكأنه يستمع الى مقطوعة من كسارة البندق.
 وفي إحدى زياراته المعتادة لي، أخبرني بأن موبايله احترق بسبب عطل في الكهرباء، مدعيا بأنها غير مستقرة، وأن السبب في عدم استقرارها هو تصريحات حسين الشهرستاني التي جعلت العراقيين يمتلكون بيوتا على الشط ويغرفون متى ما شاؤوا، ويدعي صاحبي بأن كريم عفتان والشهرستاني أصدقاء، ويوميا يسهرون تحت الأضواء الساطعة والمكيفات تدكَ عليهم وعبالهم الكهرباء موجودة في كل العراق، ولا يعلمون أن نظام الكهرباء في العراق هو:( 5 ـ 40 ـ 15 )، وحين سألته عن هذه الأرقام؛ أخبرني بأن الكهرباء تأتي خمس دقائق ثم تذهب خمسة أخرى، وبعد ذلك تأتي لأربعين دقيقة ثم تنطفئ لأربعين دقيقة أخرى ثم تأتي لربع ساعة ثم تنطفئ لأربع ساعات. وبدون أن يعطيني مجالا لأخبره بأني أعلم ذلك؛ أكمل سرد همومه بانسيابية تشوبها نغمته العصبية المعتادة، فادعى بأن سبب عطل موبايله هو  تجار الموبايلات الذين يكلفون الشركات الصينية بصناعة أردأ أنواع الأجهزة لترتفع أرباحهم، وأن موظفي التقييس والسيطرة النوعية توظفوا وفقا للمحاصصة الطائفية، فالموظف السني يلغف من التاجر الشيعي، والموظف الشيعي يلغف من التاجر السني، والتجار سنة وشيعة يلغفون من العراقيين. وفي زيارة أخرى اتـهم صاحبي شركة زين مدعيا بأنها ترسل إليه يوميا حولي عشر رسائل إعلانية ( قشمرية) تحاول سحب رصيده بمسابقات هزيلة كل واحد يعرفها، وان الموبايل يتوقف عن الشحن عندما تصل رسالة في أثناء شحنه مما يؤدي إلى عطل الآي سي، وأن الشركة متفقة مع الحكومة على نهب العراقيين بدليل عدم تطوير شبكة الهاتف الأرضي لحد الآن. وقد أكد لي صاحبي بأنه أشترى لحد الآن حوالي حوالي سبعين موبايلا من مختلف الأنواع، وأنه يعرف كيف يستعمل كل أنواع الأجهزة، لذلك نصحته أن يفتح محلا لبيع وشراء الموبايلات لكي يستثمر خبرته، لكنه لم يلتزم بتلك النصيحة مدعيا بأنه لا يملك نقدا كافيا لفتح المحل،وقال لي بأنه يفكر بأن يرحل إلى البصرة ليعمل حمالا في صفوان، مدعيا أن البضائع التي تدخل إلى العراق عن طريق ميناء مبارك كثيرة جداً، والكويتيون يحبون الحماميل العراقيين ويريدون أن يقضوا على البطالة في العراق من خلال جعل أهل البصرة حماميل في صفوان، وأكمل صاحبي كلامه منتشيا قائلا:(تره الكويتيين حييل يحبون العراقيين)! وبعد فترة من الصمت الساخر اقترحتُ عليه أن يرشح نفسه للانتخابات البرلمانية القادمة لعله يصل إلى منصب وزير الاتصالات نظراً للخبرة الكافية التي امتلكها من خلال كثرة الأعطال، وللإمكانية بقاء المنصب شاغراً بعد استقالة الوزير لافتاً نظره إلى بعض الوزارات الشاغرة منذ ثلاث سنين، وأخبرته أن مشروع الكابل الضوئي وحده سوف يجعله من أغنى الأغنياء إذا أصبح وزيراً للاتصالات، وحتى إذا اعترض على المشروع بعض البرلمانيين ليضغطوا عليه- كوزير- ليشاركوه في الأرباح والرشاوى، فذلك سوف لن يقلل مما سوف يحصل عليه من أموال طائلة، وأخبرته بعدم وجود شيء مستحيل في العراق، فرغم أن صديقي خريج ابتدائية إلا انه يستطيع أن يضرب شهادة دكتوراه عند ألبو غانم أو مريدي، ويضرب سيرة ذاتية دسمه أعدها  له بنفسي، و ليس في الأمر أية خطورة فالعفو العام سيستمر في العراق وأول من يُـعفى عنهم هم المزورون، ثم سوف يتبعهم المرتشون ثم الفاسدون، وقلت لصاحبي ألم تستمع لمن يقول:(( فأما المزورون والمرتشون والفاسدون؛ فأولئلك لا حكم عليهم ولا هم يُسجنون، أولئك في آمان عند لغفهم وأولئك هم الغالبون، فظلوا بحسدكم ايها الشرفاء الفقراء المبغِضون)). وإذا اشتدت الأمور ولم يحصل صاحبي على العفو، فطريق سويسرا مفتوح ويستطيع مغادرة العراق محملا بالذهب الأخضر قبل أو أثناء أو بعد صدور قرار إلقاء القبض، الذي اشك بأنه سوف يصدر. فجاء رد صاحبي بعد صمت طويل:( لا، محد يخليني أصير وزير اتصالات، لأن آني مو بعثي)، وحين أخبرته بأن زمن البعث انتهى، ونحن اليوم في زمن التعددية الحزبية؛ قال بصوت ساخر:( كلهم بعثيه بس بغير اسماء، فكل حزب يجب أن يكتب في لوحة مقره:(حزب الحرية والديموقراطية، لصاحبه حزب البعث العربي الاشتراكي)). ومع كل تلك المحاولات فقد ظل صاحبي مصرّاً على أن يبقى يعاني من أعطال الموبايلات، ولم يشرع في ضم نفسه إلى قائمة حزبية ليرشح نفسه لانتخابات المجالس البلدية القادمة، رغم إلحاحي عليه، وتصويري له دور النائب المحلي في الشفط، من خلال تأخير المشاريع إلى نهاية السنة للاستفادة من فوائد الميزانية المودعة في المصارف اللبنانية. وأخيراً طلبت منه أن يعمل تاجر أجهزة موبايلات حيث يقترض مبلغا من المصرف لإنشاء شركة، لكني أرشدته بأن يضع مبلغا من ماله الخاص في المصرف لشهر أو لشهرين؛ ليتأكد المصرف من أنه غني، لأن مصارفنا لا تقرض الفقراء، فهي موجودة لإقراض الأغنياء الذين يتمكنون من الهروب في الوقت المناسب. قد بدا على وجه صاحبي القبول بمقترحي عندما بدأ يحصي ممتلكاته، قائلا بأنه سوف يستلم سلفة المتقاعدين البالغة خمسة ملايين ديناراً، تلك السلفة التي وعدتـْـه بها الدولة قبل سنتين، لكن صاحبي ما زال يأمل أن تلتفت إليه الدولة وتـتـفـل عليه بهذا المبلغ، ثم انه سوف يستلم مبلغا يقدر بـ 400 ألف دينار منحة مع الوجبة التموينية فقد وعد البرلمان بأنه سيعطي لكل من أبنائه الستة وهو وزوجته خمسين ألف دينار كل سنة! ويتوقع صاحبي بان المبلغ سيصل قريبا لأنه مودع في أحد المصارف، وعندما أخبرته بعدم إمكانية توزيع هذه المبالغ قال لي: (لا يابه لا، روح شوف اللافتات شكد، كل حزب يكَول آني اقترحت هذا القرار والفضل يرجع إلي). ثم أخبرني بأنه سيحصل على مليون دينار نهاية السنة، وقبل أن أسأله عن مصدر المليون؛ أخبرني بأنه عمل فترة من الزمن بائعاً للجرائد ومن خلال علاقاته تمكن من الحصول على هوية نقابة الصحفيين، وسجلوا اسمه في قوائم الصحفين، بعد ذلك طلب مني أن أكتب له موضوعا صحفيا كل شهر لكي يتواصل مع المشهد الصحفي العراقي، خشية أن يقطعوا عنه المكافأة لعدم تواصله، وقد ألح صاحبي عليّ بأن يكون الموضوع حول الغش والتزوير المستشري في نقابة الصحفيين باعتباره صحفياً! لأن صاحبي يظن بأن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع، وحين طلبت منه أن يتعلم مبادئ الصحافة لكي يصبح صحفيا حقيقيا في المستقبل، أخبرني بأن ابنه الصغير يقوم بافراغ الهواء من الكرة المطاطية التي يشتريها، لأن ابنه يعتقد بأن الطوبة الكبيرة تنفجر بسرعة، وحين تبسمت لكلامه لأن ابنتي تفعل ذلك، ظن صاحبي أني أسخر منه فأردف قائلا: (لعد هادي المهدي ليش انكتم؟).  وبعد ذكر مليون الصحافة الذي يُوزع كل نهاية سنة، بعد أن قيل بأنه سيوزع كل ثلاثة أشهر، استطرد صاحبي ليذكر لي بأنه يمتلك مبلغا ليس بالقليل كمكافأة نقدية لأبنائه الناجحين من قبل مؤسسة الشهداء التي وعدتْ قبل ثلاث سنوات أن تمنح الناجحين من عوائل الشهداء التي يدعي صاحبي بأنه ينتمي لها بصفته أخ لشهيد، وأخبرني صاحبي بانه قدم الفايلات عام 2009 وان المكافأة سوف تصل قريبا لادعاء المؤسسة بأن ليس كل الطلبة لهم مكافآت فهناك أسماء تسقط سهوا وأسماء تكون زائدة عن المبلغ المرصود للمكافأة، ثم أن أحد الموظفين أخبر صاحبي بأن أخوان الشهداء وأبناء أخوانهم  ليس لهم حق بالمكافآت لأنهم لم يشعروا بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في عهد النظام السابق!!
ثم سادت بيننا فترة صمت استغرق عدة ثوان، ثم قال لي صاحبي بنبرة حادة:


(آني اتعقـّـد من السياسة، شوفنـّـه غير موضوع)،



 فأجبته بأنه ضيفي وأن للضيف حقاً في اختيار الموضوع،



فقال بصوت هادئ جداً ومن دون سابق إنذار: (شنو رأيك لو أشتري كاتم)؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


نشرت في جريدة العراق اليوم: الإثنين 10/9/2012
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق