02 أكتوبر 2011

إشكالية المصطلح بين الإيقاع والموسيقى و الوزن


كريم محسن الخياط



الإيقاع والموسيقى مصطلحان استعيرا للشعر من فن التلحين والغناء الموقع،وللوقوف على حقيقتهما ،لابد من معرفة وظيفتهما في مكانهما الأصلي .

الإيقــــاع :


يتألف الإيقاع من ثلاثة وحدات :

(دم) : وهي نقرة على وسط الطبلة تخرج صوتا تردده طويل لكنه عال .

(تك) وهي نقرة على حافة الطبلة تخرج صوتا تردده قصير لكنه منخفض.

(s  ) وهي فترة صمت ايقاعي تستغرق زمن نقرة واحدة من ال(تم)أو(تك)، وغالبا ما تسمى (السكتة)

ومن هاتين النقرتين وفترة الصمت يمكن تكوين (بارا إيقاعيا).

(البار الإيقاعي): هو جملة إيقاعية مكونة من تركيب الوحدتين الأصليتين والسكتة ، مثل :

( تم تك ) وهذا هو الإيقاع الثنائي ، أما إذا قلنا ( تم تك تك ) فهذا هو الإيقاع الثلاثي،

ولا يسمى الإيقاع إيقاعا إلا إذا تكرر البار الإيقاعي عدة مرات قد تصل إلى مئات أو آلاف البارات .

فخصائص الإيقاع هي :

1.              ثبات ترتيب الوحدات الإيقاعية ضمن البار الواحد.

2.              تكرار البار .

3.              عدم الالتزام بعدد محدد للبارات المكررة ، فقد تكون عشرة  ، وقد تصل إلى آلاف .

4.              يمكن تعلمه بالتمرين



ولو أردنا مقارنة الإيقاع في أصله بما هو موجود الآن في الشعر ، لقلنا إن (تم) و(تك) تعادل (الساكن والمتحرك ) ، وان ( البار الإيقاعي ) يعادل التفعيلة .

ومن هنا نجد أن لا وجود للوزن في أصل الإيقاع ، إلا في مواقع يرى فيها المؤلف الموسيقي ضرورة إعادة مجموعة بارات ككتلة واحدة لمرة أو لمرتين ، وليس لهذه الإعادة علاقة بالوزن بمعناه الشعري وإنما هي لغرض الاختصار فقط ، فلكي لا يضطر كاتب النوتة إلى إعادة كتابة تلك البارات مرة ثانية ؛يضع في نهاية البارات الثلاثة الأولى ـ على سبيل المثال ـ خطا عموديا اسود غامقا ،ليقول للعازف أعد هذه البارات مرة أو مرتين بحسب الرقم الذي يوضع على الخط الأسود الغامق.

فالوزن هو مجموعة تفعيلات تترتب بشكل محدد ، ويتوجب تكرار هذا الشكل إلى نهاية القصيدة القديمة.

أما الشعر الجديد (شعر التفعيلة) فانه ينطبق تماما مع تسميته إيقاعا . وبذا نطلق على الشعر الجديد صفة الشعر الموقع غير الموزون .

ومن هنا بدأ الخلط بين الإيقاع والوزن .

الموسيقى :

هي ضوضاء منتظمة ، يصنع انتظامها تقارب وتباعد درجاتها ، فالسلم الموسيقي مؤلف من سبع درجات وضعت من خلال استقراء الصوت البشري ، وهي على التوالي ( دو ري مي فا صول لا سي ) ، والفرق بين درجة ودرجة ليس بارتفاع الصوت ، بل بارتفاع الطبقة ، فنستطيع أداء أعلى درجة بأدنى صوت ، كأن نهمس بصوت يبدو غاضبا في أذن أحدهم . وان قابلية الإنسان على لفظ عدة درجات متتالية تصل إلى 14 ـ على سبيل المثال ـ يسمى المساحة الصوتية ، ومن الخطأ أن نعبر عن حالة موسيقية بقولنا (ارتفاع الصوت وانخفاضه) لان الموسيقى غير معنية بارتفاع الصوت وانخفاضه . وان تأليف قطعة موسيقية بتشكيل عدد من حروف السلم الموسيقي ،لا تلزم المؤلف بالتكرار مثل الإيقاع ، أي ان الموسيقى غير معنية بالتكرار المستمر، يضاف إلى ذالك عدم ثبات زمن الحرف الموسيقي ، فبإمكان المؤدي أن يطيل زمن الحرف الواحد إلى عدد غير محدد من الثواني بقدر طاقته الأدائية ، فالمطرب يستطيع إطالة حرف ( الألف) في كلمة ( يا ليل) إلى عشر ثوان  وربما أكثر . وما يجدر التنبيه إليه في هذه الإطالة ،هو إن الإيقاع ينزلق من تحت الموسيقى ، فهو لا يتوقف منتظرا المؤدي مثل الشعر ، إذ أن الشاعر عندما يطيل حرفا لزمن أطول في الإلقاء ، نجد الإيقاع يتوقف ، فإطالة حرف أو مده في أداء الشعر لا تزيد من وحدات التفعيلة أو تغيّر ترتيب حركاتها وسكناتها في الشعر العربي .

ومن خصائص الموسيقى :

1.    تؤدى مع الإيقاع أو بدونه .

2.    تعتمد في التأليف على ارتفاع وانخفاض الطبقة الصوتية.

3.    طبقاتها الصوتية غير متاحة لجميع البشر.

ولو نظرنا إلى الشكل التالي


نجد حرف الصول مكتوبا ست مرات
  ونجد ثلاثة بارات إيقاعية يفصل بين بار وآخر (خط عمودي) 
وفي البار الأول (صول) ممدود إلى أربع وحدات زمنية [1] بينما نجد البار الثاني يحتوي على حرفين من (صول ) كل واحد منهما يمتد إلى وحدتين زمنيتين، وفي البار الثالث نجد (صول ) ثلاث مرات ، الأول زمنه وحدتان زمنيتان والثاني زمنه وحدة واحدة والثالث زمنه وحدة واحدة أيضا .
  ومن هذا الشكل نعرف أن حرف الصول يمثل الموسيقى ، وعدد الوحدات الزمنية يمثل الإيقاع .  ورأينا أن الإيقاع هنا مكون من أربع وحدات (4/4) في كل بار ، لكن الصول يمتد ويقصر لينسجم مع الإيقاع .  ولو لاحظنا رمز حرف (صول) في الشكل ، لوجدناه مرة على شكل دائرة  غير مملوءة تمثل أربع وحدات زمنية ،تدعى (روند)أي (المستديرة)، ومرة على شكل دائرة غير مملوءة يعلوها خط ، تمثل وحدتين زمنيتين وتسمى(بلانش)أي (البيضاء)، ومرة دائرة مملوءة يعلوها خط تمثل وحدة زمنية واحدة وتدعى(نــِــوار)أي (السوداء). وبهذه الصيغة نجد أن الموسيقى تـَكتب المد أي الإطالة فقط ، أما كتابة الطبقة فهي بوضع علامة من هذه العلامات على الخط الثالث من المدرج الموسيقي المكون من خمسة خطوط . ولكي نتعرف على وضع الحروف الموسيقية على المدرج ننظر الشكل التالي





  ومن ذلك نخلص إلى المد وارتفاع الطبقة من خصائص الموسيقى ، وكلا من المد وارتفاع الطبقة يمكن أن يتما بوجود الإيقاع أو بدونه . 
الخلط بين الإيقاع والموسيقى
  
كثير ممن كتبوا عن موسيقى و إيقاع الشعر العربي خلطوا بين جملة من المصطلحات ، منها :  الإيقاع ، الوزن، الموسيقى ، والنبر.
  ففي وصفه لنواحي الجمال في الشعر قال إبراهيم أنيس ((وللشعر نواح عدة للجمال، أسرعها إلى نفوسنا ما فيه من جرس الألفاظ، وانسجام في توالي المقاطع، وتردد بعضها بعد قدر معين منها، وكل هذا هو ما نسميه بموسيقى الشعر))[1] ففي قوله (جرس الألفاظ ) وصف الموسيقى ، لكن في قوله (وانسجام في توالى المقاطع...) فقد وصف الإيقاع. علما أنه أسمى الإيقاع والموسيقى معا بأنهما موسيقى. وهذا خلط واضح يتنافى مع قوله : ((فالطفل الذي يولد في أسرة تعنى بالموسيقى ينشأ وهو أكثر استعدادا لتذوق الموسيقى، وفهم نواحي الجمال فيها، وأقدر على الإيقاع من طفل آخر ...))[2] فهو هنا فرق بين الموسيقى والإيقاع، إذ يـُفهم من كلامه أن الموسيقى يمكن تذوقها بينما الإيقاع بحاجة إلى دربة ودراسة.  
كما نجد غازي يموت قد خلط بشكل واضح إذ يقول: ((ولموسيقى الشعر أساليب متعددة متنوعة أبرزها الوزن والإيقاع ))[3] فقد عد الوزن من مفردات الموسيقى، علما أن الوزن جزء من الإيقاع في الشعر. وعندما تحدث إبراهيم أنيس عن النغم ودوره في حفظ الشعر قال: (( وعلل مؤرخو الأدب العربي كثرة ما روي لنا من أشعار القدماء،إذا قيس بما روي من نثرهم ، بأن حفظ الشعر وتذكره أيسر وأهون، ولعل السر في هذا هو ما في الشعر من انسجام المقاطع وتواليها بحيث تخضع لنظام خاص في هذا التوالي))[4] وهنا وصف الإيقاع، لأن النغم والموسيقى غير معنيين بتوالي المقاطع . بينما نجده في موضع آخر يصف الموسيقى بصورة أفضل حين تحدث عن النثر : (( ونثر الكلام قد يشتمل على نوع من الموسيقى، نراها في صعود الصوت وهبوطه أثناء الخطاب))[5] فهذا وصف لجزء من الموسيقى وهو صعود الصوت وهبوطه [6]، لكن إبراهيم أنيس عاد بعد سطر واحد ليخلط  بين الإيقاع والموسيقى ، حيث قال: ((...لكنها [الموسيقى]في الشعر من نوع أرقى، بل هي في الشعر أسمى الصور الموسيقية للكلام وأدقها، لأن نظامها لا يمكن الخروج منه))[7] وهنا قصد الوزن تحديدا . فالموسيقى ليس لها نظام صارم لا يمكن الخروج منه بل الوزن.

أما نازك الملائكة ، فتارة نراها تصف الموسيقى بدقة وتارة تجعل الوزن موسيقى حين تقول :((إن في الوزن شيئا أبعد من الموسيقى اللفظية نفسها،هو نغم المعنى الذي كان صداه الوزن، ولعل هذا هو الذي الصق الوزن بالشعر لأنه غناء في الأصل))[8] وهنا فرقت بين الوزن والموسيقى بقولها(إن في الوزن شيئا ً أبعد من الموسيقى...) وفي نفس النص قالت : (ولعل هذا هو الذي الصق الوزن بالشعر لأنه [أي الشعر] غناء في الأصل). علما أن الغناء لا يرتبط بالوزن إطلاقا، بل يرتبط بالإيقاع غالبا . فبالإمكان أداء أغنية بدون إيقاع سواء كان ذلك الإيقاع ظاهرا أم خفيا .
 
ورغم اختلاط مصطلحي الإيقاع والموسيقى عند نازك الملائكة ،إلا إننا نجدها أحيانا تفصل بينهما ،فقد قالت في تعريف الشعر  :(( إنه ليس عاطفة فحسب، وإنما هو: عاطفة ووزنها وموسيقاها))[9] وفي معرض دفاعها عن الوزن ضد من قالوا بنثر الشعر قالت (( إن الوزن هو هزة كالسحر تسري في مقاطع العبارات وتكهربها بتيار من الموسيقى الملهمة، وهو[أي الوزن] لا يعطي الشعر الإيقاع وحسب وإنما يجعل كل نبرة فيه أعمق وأكثر إثارة وفتنة))[10] و في تعريفها هذا تداخلت  المصطلحات وتشابكت ، ويتضح الخلط بالنقاط التالية :
 
1.  هي ـ بالأصل ـ تدافع عن شعر التفعيلة ، وشعر التفعيلة شعر إيقاعي وليس فيه وزن، لأن الوزن هو تكرار عدد من التفعيلات ككتلة واحدة ، وهذا موجود في قصيدة الشعر[11] ، فقد  أراد ت ـ في الأصل ـ الدفاع عن الإيقاع ، لكنها قالت : (الوزن).
 
2.  جعلت الإيقاع جزءا من الوزن ، والأمر معكوس تماما ، فالوزن جزء من الإيقاع ، فالقصيدة الإيقاعية (قصيدة التفعيلة ) يمكن تدويرها باستخدام عشرات التفعيلات ، أما الوزن فهو اقتطاع عدة تفعيلات وتكرار الجزء المقتطع في كل قصيدة الشعر. وبذلك يكون الوزن جزءا من الإيقاع.
 
3.  جعلت ْ النبر جزءا من  الوزن ، بينما هو جزء من   الموسيقى في الشعر العربي ، لأن النبر لا يضيف مقطعا ولا يحذف مقطعا في الشعر العربي مثلما هو في الشعر المقطعي الإنجليزي. فقد عرف  fonagy النبر ووظيفته تعريفا يربطه بالموسيقى، بالرغم من كون النبر الإنجليزي يرتبط بالوزن أحيانا،إذ قال :((النبر...كيان لساني فوق مقطعي ذو وظيفة أساسية، وهي إظهار المقطع، والذي تتكون ماهيته من أكبر جهد زفيري ونطقي))[12]  وهذا التعريف يوضح أن وظيفة النبر موسيقية صرفة، فالشد على المقطع لإظهاره يحدث بدون إضافة حركة أو سكون ، أي بدون زيادة أو نقصان في أصل المقطع، وهذه القاعدة تنطبق على النبر في اللغة العربية شعرا ونثرا ً بينما تنطبق على اللغة الإنجليزية نثرا فقط.
  
وقضية النبر هي العامل الرئيسي الذي جعل النقاد العرب يخلطون بين الإيقاع والموسيقى ، الأمر الذي يدعو إلى وقفة توضيحية لسبب هذا الخلط .
  
قضيــــــة النبـــــــر
  
النبر (Stress) في النثر الإنجليزي هو أصل لغوي ، بينما يمكن إحداثه في الشعر، مما يؤدي إلى تغيير في تركيب التفعيلة الإنجليزية، أي يمكن جعل المقطع غير المنبور (Unstressed) منبورا(Stressed)، وهذه العملية تؤدي إلى تغيير في تركيبة التفعيلة مما يؤدي إلى تغيير في الإيقاع الذي بدوره يؤدي إلى تغيير الوزن ، ومعنى هذا: أن هناك حالة موسيقية أدت إلى تغيرات إيقاعية وزنيه، ولأجل توضيح ما يحدث سآخذ مثالا من قصيدة (To be ) لشكسبير .

القصيدة على( تفعيلة feet )  (الإيامبك Iambic) ،التي تتألف من مقطعين:أولهما غير منبور والثاني منبور، ويرمز للمقطع المنبور بـ (/) وللمقطع غير المنبور بـ (*)، أما سطر هذا النمط من الشعر فقد يحتوي على تفعيلة واحدة أو أكثر لغاية سبع تفعيلات ،أي أربعة عشر مقطعا، وذلك في الشعر الحديث أما قديما فكانوا يلتزمون بعدد معين من التفعيلات في كل سطر. وهاتان الطريقتان يشبهان إلى حد ما ما هو موجود قديما وحديثا في الشعر العربي.
 
و الذي يهمنا هنا هو كيفية تحول الموسيقى إلى إيقاع في هذا النمط من الشعر.
 
قال شكسبير في السطر الأول من قصيدة (To be)

((To be or not to be,- that is the question))[13]

نلاحظ أن التفعيلة الأولى (to be ) مكونة من المقطع (to) غير المنبور، و المقطع ( be ) المنبور، وكذلك كل التفعيلات كما في تقطيع السطر:
  


To be or not to b,- that is the question
   

ues  tion

is    theq

,-      that     

to      be

or   not 

To     be

   *       /

  *        /

 *         /

  *         /

  *        /

  *        /
  
والذي يهمنا هنا هو (to) الأولى حيث جاءت غير منبورة، ولسنا بصدد الحديث عن النبر الثقيل الذي حدث في (be) الثانية الذي أدى إلى مدها إلى مقطع آخر.
  ولو قطعنا السطر الرابع من القصيدة ذاتها والذي قال فيه: 
((Or to take arms a gain a sea of troubles))[14]
 
نجد شكسبير ينبر المقطع ( to ) ويضعه ثاني التفعيلة الأولى :


Or to take arms a gain a sea of troubles
 

Rou  bless

O       ft

A   sea

A    gain

Tak     arms

Or      to

 *       /

  *        /

 *         /

  *         /

  *        /

  *        /
  نلاحظ أن التفعيلة الأولى المكونة من المقطعين ( or) و(to ) كانت فيها (to) منبورة ، وإلا  لم يستقم الإيقاع، فلو تركها بدون نبر لانكسر إيقاع التفعيلة ، فلا توجد في الشعر الانجليزي في زمن شكسبير تفعيلة مكونة من (**) أي من مقطعين غير منبورين.  
ولأهمية هذا الموضوع وكونه السبب في الخلط بين الإيقاع والموسيقى لدى كتابنا العرب ، سآخذ مثالا آخر من نفس القصيدة . قال شكسبير في السطر 18 :
 
((that patient merit of the unworthy takes))[15]
 
في هذا السطر استخدم اسم الإشارة (that ) مقطعا غير منبور وفقا لتفعيلة الإيامبك، لكنه استخدم اسم الإشارة نفسه مقطعا منبورا في السطر 22 من نفس القصيدة حيث قال:
 
((but that the dread of something after death))[16]
 
والأمر واضح في السطرين حيث جاءت (that) في السطر 18 مقطعا ثانيا و في السطر 22 مقطعا أولا في التفعيلة الأولى .
 
واللغة الانجليزية لا تسمح بذلك في النثر ، لأن المقاطع المنبورة أصل لغوي محدد، لكن الشاعر يستطيع أن ينبر ما ليس منبورا في الشعر.
 
وقد رأينا كيف حول النبر التفعيلة، أي إن النبر ـ وهو عنصر موسيقي ـ تحول إلى عنصر إيقاعي. وهذه الحالة لا تحدث لا في النثر ولا في الشعر العربيين. فالنبر في اللغة العربية يغير المعنى ، وقد يغير قراءة الوزن، دون أن يقلب المقاطع، ودون أن يضيف أو ينقص من عدد الحركات أو السكنات
  
النبر من أجل المعنى :
  
عندما نلفظ جملة ( جاء سارق الكتب)  و جملة ( جاء سارقو الكتب ) نجد أن الجملتين يجب أن يلفظا لفظا واحدا ، لان (واو ) كلمة ( سارقون ) التي حذفت نونها للإضافة، هو (واو) ساكن وقد التقى بـ ( لام ) (ال) الساكن مرورا بهمزة الوصل ، والتقاء الساكنين يستوجب حذف حرف العلة لفظا، وبذلك يكون لفظ الجملتين عروضيا هو ( جاء سارقُ لكتبي)، وهذا يؤدي إلى لبس في فهم المعنى، لذلك يلجأ العربي إلى النبر، حيث توجد طريقتان للنبر في الجملة الثانية (جاء سارقو الكتب) :

الأولى : وهي الطريقة الخاطئة : حيث يلفظ الواو ونتخلى عن قاعدة الحذف عند التقاء الساكنين، وهذه هي الطريقة الشائعة.
 
الثانية : وهي الطريقة الصحيحة، وهي أن نحذف (الواو) ونشدّ بقوة على (لام) كلمة ( الكتب)، وهذا الشد القوي على (اللام) يكون كفيلا بإظهار ضمة قوية على القاف، و كأننا نلفظ فعل الأمر (قــُـلْ ) محاولين قلقلة اللام ، لكن هذه الضمة لا تضيف حرفا جديدا كما في الطريقة الأولى .فهي حالة موسيقية صرفة .
  
النبر من أجل قراءة  الوزن :
  
قال عمرو بن الحصين : 
 
               (( هبت قبيل تبلج الفجر      هند تقول ودمعها يجري ))[17]
  يمكن أن نقطع هذا البيت تقطيعيين : 
الأول:
  

هبت قبيل تبلج الفجر      هند تقول ودمعها يجري


هببت قبيـــ

ـل تبللج ل

فــــجري

هندن تقــــو

ل ودمعهــأ

يجـــــــري

1ه 1ه 11 ه

111ه 11ه

1ه1ه

1ه1ه11ه

111ه11ه

1ه1ه

مستفعلن

متــَـفاعلن

فعـْـلن

مستفعلن

متـَـفاعلن

فعـْـلن

الكامل الأحذ المضمر
  الثاني : 

هبت قبيل تبلج الفجر      هند تقول ودمعها يجري
   

هببت فبيـــ

ـل تبللـِ

جل فجري

هندن تقو

ل ودمع ُ

ها يجري

1ه1ه11ه

111ه1

1ه1ه1ه

1ه1ه11ه

111ه1

1ه1ه1ه

مستفعلن

فعـِـلاتُ

مفعولن

مستفعلن

فعـِـلات ُ

مفعولن

المنسرح المقطوع
  ولكي يميز الشاعر بين البحرين أثناء الأداء ( الإلقاء) عليه أن يشد على (اللام) في كلمة الفجر ، ويمد الألف في ( دمعها ) ليُظهر البيت من الكامل . 
أما إذا شد على (اللام) في (تبلج) فان البيت يظهر من المنسرح . علما أن القصيدة من الكامل وفقا لبقية أبياتها.
  لذلك يلجأ بعض الشعراء إلى الأداء التقطيعي في البيت الأول ليوصل الوزن إلى المتلقي، ثم يعيد البيت بتوزيع آخر ثم يستمر بالأداء وفق توزيع المعنى ،لأنه ضَمَن استلام المتلقي للوزن.  وفي كلتا  القراءتين لبيت عمرو بن الحصين ، لم نلحظ زيادة، لا في الحركات ولا في السكنات ، كما لم نلحظ أي تبديل في أماكن الحركات والسكنات ، بل كان الفرق بين القراءة الأولى والثانية، فرقا في التوزيع ، لذلك نقول: إن النبر في النثر والشعر العربيين يختلف عنه في اللغة الانجليزية . ولذلك أقول إن نقل النصوص النقدية المترجمة بدون دراسة موسعة لواقع اللغتين يؤدي إلى خلط في المفاهيم، وهذا هو السبب الرئيس الذي أدى إلى الخلط بين مفاهيم الإيقاع والوزن من جانب ، وبينهما وبين الموسيقى من جانب آخر.
[1]  - موسيقى الشعر : 8 ـ 9
    [2] موسيقى الشعر : 7
    [3] بحور الشعر العربي : 7
  [4] موسيقى الشعر : 12
  [5]  - موسيقى الشعر : 16
  [6]  -  الافضل أن نقول : إرتفاع طبقة الصوت وهوبوطها .
  [7]  - موسيقى الشعر : 16
  [8]  -  قضايا الشعر المعاصر : 18
  [9]  -  قضايا الشعر المعاصر : 195
  [10]  -  قضايا الشعر المعاصر : 194
  [11]  -  (قصيدة الشعر) اصطلاح أطلق في تسعينيات القرن الماضي على الشعر  العمودي الحديث من قبل مجموعة من رواد تحديث الشعر العمودي ،
  [12]   - Electrophy siological   : 1
  [13]  -  hamlet    :  77
  [14]   -  hamlet   :  77
  [15]    -  hamlet   : 77
  [16]     -  hamlet   : 77
  [17] - الأمالي في الأدب الإسلامي : 234
 

هناك تعليق واحد:

  1. الإنسان الرائع والشاعر
    شكرا على هذه الدراسة الجيدة.
    محبات، وشكر استاذ كريم محسن الخياط

    ردحذف