المنهج التداولي ( التواصلي) /المن
منقول
إنّ المنهج التداولي (التواصلي) يعيد النظر
أوّلا في وظائف اللغة، وينظر إليها نظرة تجاوز التقسيم البنيوي الذي وضع أسسه ريمون
جاكوبسون وهو ينهض على ستّ وظائف :
- الوظيفة الإخباريّة ( الإخبار )
- الوظيفة المرجعيّة ( اللغة تنقل المرجع
و تتحدّث عن الأشياء في غيابها فتعوّضها).
- الوظيفة الماورا لغويّة أو الانعكاسيّة
( اللغة تتحدّث عن ذاتها فهي أداة وموضوع(علوم اللغة)
- الوظيفة التعبيرية ( اللغة تعبّر عن الأحاسيس
و الانفعالات و العواطف ).
- الوظيفة التنبيهيّة ( اللغة تنبّه إلى
اتّصال التواصل و التفاعل بين المتخاطبين) (النداء – عبارات التنبيه مثل تسمعني ..أفهمتني
..؟).
- الوظيفة الأدبيّة أو الشعريّة .
أ- تعريف التداولية :
أصبحت التداولية في السنوات الأخيرة موضوعاً
مألوفاً في اللسانيات وفي الدراسات الأدبية بعد أن كانت السلة التي ترمى بها العناصر
والمعلومات التي لا يمكن توصيفها بالأدوات اللسانية التقليدية . يقول جفري ليج بهذا
الصدد: "لا نستطيع حقيقة فهم طبيعة اللغة ذاتها إلا إذا فهمنا التداولية : كيف
نستعمل اللغة في الاتصال " .
تختلف التداولية (( Pragmatics)) عن المذهب الذرائعي في الفلسفة ( Pragmatism ) مع ذلك يرى البعض في الأخير مصدراً من مصادر
الأول.
يعد موريس أول من أعطى تعريفاً للتداولية
حيث عدها جزاءً من السيميائية عندما ميز بين ثلاثة فروع للسيميائية هي:
• التركيب (النحو ) ويعني به دراسة العلاقات
الشكلية بين العلامات.
• الدلالة ويعني بها دراسة علاقة العلامات
بالأشياء.
• التداولية ويعني بها دراسة علاقة العلامات
بمؤوليها.
و توجد محاولات حديثة لربط ما طرحه موريس
بالسياق الذرائعي لجالس بيرس. وخصوصاً مفهوم بيرس عن العلامة والفكر . يقول بيرس
" لا نملك القدرة على التفكير بلا علامات "
وتبنّى بيرس عقيدة ( العلامة الفكر ) وهي
منهج للتأكد من معاني الكلمات الصعبة والتصورات التجريدية .
لقد سارت التداولية منذ ذلك الوقت في اتجاهين
هما : الدراسات اللسانية والدراسات الفلسفية. ففي الاتجاه الأول استعملت التداولية
بوصفها جزءاً من السيميائية اللسانية وليس بعلاقتها بأنظمة العلامات عموماً. وما يزال
هذا المنحى اللساني قائماً لحد الآن في اللسانيات الأوربية ، أما في الدراسات الفلسفية
وخصوصاً في إطار الفلسفة التحليلية ، فقد خضع مصطلح التداولية إلي عملية تضييق في مجاله
. وقد كان للفيلسوف والمنطقي (كارناب) دوره ، فقد ساوى بين التداولية والسيمياء الوصفية
.
لكن ما يهمنا منه ، اتجاه معظم التفسيرات
اللسانية لتكون داخلية بمعنى أن السمة اللغوية تفسر بالإشارة إلي سمة لغوية أخري أو
إلي جوانب معينة من داخل النظرية ، وظهرت الحاجة إلي تفسير ذي مرجعية خارجية وهنا ظهرت
الوظيفية اتجاهاً ممهداً للتداولية .
ب- العلاقة بين التداولية والسيميائية
:
يمكن تقسيم التداولية العامة إلي اللسانيات
التداولية والتداولية الاجتماعية فالأولى يمكن تطبيقها في دراسة الهدف اللساني من التداولية
- المصادر التي توفرها لغة معينة لنقل أفعال إنجازيه معينة - والثانية تعنى بالشروط
والظروف الأكثر محلية المفروضة على الاستعمال اللغوي وهو حقل أقل تجريداً من الأول
. فالتداولية تدرس المعني في ضوء علاقته بموقف الكلام . والموقف الكلامي يشتمل علي
جوانب عديدة يمكن أن نجمعها فيما يلي :
أ- المخاطبين ( فتح الطـاء ) والمخاطبين
( كسر الطـاء ) : وهم المتحدثون والمستمعون . وينبغي هنا التمييز بين المستلم والمخاطب
فالأول شخص يتلقى ويؤول الرسالة في حين أن الثاني شخص مستلم مقصود للرسالة .
ب- سياق التفوّه : للسياق عدد من التعريفات
، فهو ينطوي على الجوانب الفيزيائية والاجتماعية ذات الصلة بالتفوّه ، وينظر إليه في
التداولية على أنه المعرفة القبلية التي يفترض أن يشترك بها المتحدّث والسامع ، وتسهم
في تأويل الأخير لما يقصده الأول .
ج- هدف التفوّه : تتحدث التداولية اللسانية
خصوصاً عن الهدف أو الوظيفة بدلاً من ؛ المعني المقصود . والكلمة (هدف ) أكثر حيادية
من كلمة (القصد).
د - الفعل ألإنجازي : تتناول التداولية
الأفعال اللفظية أو الأداء الذي يحصل في مواقف معينة ، في حين يتناول النحو كيانات
مجردة مثل الجمل. إذن فالتداولية تتعامل مع اللغة على مستوى أكثر ملموسية من النحو
والدلالة .
هـ - التفوّه بوصفه نتاجاً : تشير مفردة
تفوّه في التداولية إلى نتاج فعل اللفظ بدلاً من الفعل اللفظي نفسه .
أما أهم الموضوعات التي تعالجها التداولية
لسانياً المفردات التأشيرية التي يمكن تقسيمها إلي شخصية ، وزمانية ومكانية وخطابية
واجتماعية ؛ فضلاً عن التضمينات المحادثية والاقتضاء والمعاني الحرفية والمعاني السياقية،
وأفعال الكلام وتصنيفاتها وتحليل الخطاب وتحليل المحادثة وغيرها الكثير من الموضوعات
.
فالتداولية تمتلك إمكانات تطبيقية في حقل
الأدب الذي لا يتطلب مسائل تطبيقية محضة ؛ وتفيد التداولية بوصفها منهجاً لحل المسائل
في اللسانيات التطبيقية وفي تفاعل الإنسان والآلة ، وفي الصعوبات الاتصالية التي تظهر
في اللقاءات التي لا يتواجه فيها المتصلون. وهناك نوع من التفاعل بين التداولية واللسانيات
الاجتماعية في حقول اهتمام مشترك فقد أسهمت الأخيرة في مجالات معينة من التداولية وخصوصاً
في تحليل المحادثات والخطاب والأدوار الاجتماعية ودورها في تحديد صيغ المخاطبة. فضلاً
عن ذلك تمتلك التداولية علاقات مهمة وحيوية مع اللسانيات النفسية فهناك علاقة بينها
وبين علم النفس الإدراكي وخصوصاً نظريات معالجة وإنتاج اللغة وتطور مفاهيم القوة الإنجازية
والتضمينات والافتراضات السابقة .
إن السيميائية هي تساؤلات حول المعنى .وهي
دراسة للسلوك الإنساني باعتباره حالة ثقافية؛ لأن السلوك لا يمكن أن يكون دالا إلا
إذا كان وراءه قصد ما. فالتساؤل عن المعنى تساؤل عن معنى النشاط الإنساني وعن معنى
التأريخ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق